أخبار مهمةخطبة الأسبوعخطبة الجمعةخطبة الجمعة خطبة الأسبوع ، خطبة الجمعة القادمة، خطبة الاسبوع، خطبة الجمعة وزارة الأوقافعاجل

خطبة بعنوان : انظروا!! ” كيف أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناء الوطن والمحافظة عليه ؟ لفضيلة الشيخ/ عبد الناصر بليح

خطبة بعنوان : انظروا!!

 كيف أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناء الوطن والمحافظة عليه ؟

لفضيلة الشيخ/ عبد الناصر بليح  

لتحميل الخطبة أضغط هنا 

 

 

ولقراءة الخطبة كما يلي:

انظروا!!

 كيف أسس رسول الله صلى الله عليه وسلم لبناء الوطن والمحافظة عليه ؟

فضيلة الشيخ/ عبد الناصر بليح  

الحمد لله نحمده ونستعينه ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليما .

أما بعد: فياجماعة الإسلام :

 إن عهد النبي صلي الله عليه وسلم  بقسميه المكي والمدني كان مرحلة تأسيس وبناء لكيان هذه الأمة ، ووضع الأسس والقواعد العامة التي تسير على ضوئها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، ولكن الفترة المكية كانت تمهيدا للفترة المدنية ، ففي الأولى تكونت نواة المجتمع المسلم ، وكان التركيز فيها على قواعد الإسلام ، وخاصة فيما يتعلق بعقيدته ، فهي أسس لا بد منها قبل البدء في المرحلة العملية ، وهي إنشاء الدولة ، فتلك الفترة التأسيسية لازمة لتحديد منهج الإسلام وتقريره في النفوس ،

بناء الفرد :

والفرد هو الذي تقوم عليه الدولة وتعلو وتأسس لذلك كان لرسول الله صلي الله عليه وسلم رؤية واضحة من أول يوم أمره الله عز وجل أن ينذر عشيرته الأقربين فلم يبدأ بأعمامه  أبو لهب و أبو طالب..وإنما بدأ بعامة الشعب وليس بعلية القوم مع أنه عاني الأمرين في سبيل نشر الدعوة الإسلامية ..

فلقد تحمل الرسول صلي الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين الأوائل الصعاب والمشاق في سبيل  نشر الدين الإسلامي وتعرضوا لأشد أنواع العذاب والتنكيل .. روى الإمام أحمد وابن ماجه عن ابن مسعود قال :  أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله صلي الله عليه وسلم  وأبو بكر وعمار وأمه سمية وصهيب وبلال والمقداد . فأما رسول الله صلى صلي الله عليه وسلم  فمنعه الله بعمه وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس فما منهم من أحد إلا وقد واتاهم على ما أرادوا إلا بلالا فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب ( مكة ) وهو يقول : أحد أحد .ووصل بهم الأمر أن اشتدوا على المسلمين كأشد ما كانوا حتى بلغ المسلمون الجهد و اشتد عليهم البلاء و جمعت قريش في مكرها أن يقتلوا رسول الله صلى الله عليه و سلم علانية فرأى أبو طالب أن يدخلوا رسول الله صلى الله عليه و سلم شعبهم و أمرهم أن يمنعوه ممن أرادوا قتله..فأجمعوا أمرهم ألا يجالسوهم و لا يبايعوهم و لا يدخلوا بيوتهم حتى يسلموا رسول الله صلي الله عليه وسلم    للقتل و كتبوا في مكرهم صحيفة وعهودا ومواثيق : لا يقبلوا من بني هاشم صلحا أبدا و لا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموه للقتل فلبث بنو هاشم في شعبهم ثلاث سنين و اشتد عليهم البلاء و الجهد و قطعوا عنهم الأسواق فلا يتركوا لهم طعاما يقدم مكة و لا بيعا إلا بادروهم إليه فاشتروه يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم رسول الله صلى الله عليه و سلم..(سيرة ابن كثير ج2  ص 43 ).

ومن الملاحظ هنا أن الرسول صلي الله عليه وسلم ركز في دعوته لبناء الدولة علي الفقراء والضعفاء والشباب ولم يركز علي أكابر الناس وعلية القوم فنظرة الإسلام إلي هؤلاء علي أنهم نصرة وقوة ولطالما قال رسول الله صلي الله عليه وسلم ونادي بذلك  فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ابغوني في ضعفائكم فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم “(  أبو داود والترمذي والنسائي).

وعن مصعب بن سعد قال رأى سعد رضي الله عنه أن له فضلا على من دونه فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم  هل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم “( البخاري والنسائي ). وعنده فقال النبي صلي الله عليه وسلم  إنما تنصر هذه الأمة بضعيفها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم” .

**حب الوطن :

وربي  الرسول صلي الله عليه وسلم  الصحابة علي حب الوطن وعده من الإيمان فموطن الإنسان منا أحب إليه من نفسه وولده وأغلي عنده من ماله وكل ما يملك لذلك عد رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي يموت في سبيل الدفاع عن أرضه من الشهداء وقرنه مع الدفاع عن النفس والمال والعرض والأهل ..ولما خرج رسول الله صلي الله عليه وسل مهاجراً من مكة إلى المدينة كما روي عنه :وقف علي الحزورة(سوق) ونظر إلى البيت وقال :والله انك لأحب أرض الله إلي وانك لأحب أرض الله إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت منك”(الترمذي والنسائي –زادالمعاد1/8).  وهذا يشير إلى مدي حب رسول الله صلي الله عليه وسلم لبلده مكة المكرمة موطن ولادته ونشأته وفيها البيت الحرام ولأنها منزل الوحي ولأن بها الأهل والأقربين ولأن بها مآثر إبراهيم.(خاتم النبيين2/5) ولا عجب فحب الوطن من الإيمان وقديما قال الحكماء :”الحنين من رقة القلب ورقة القلب من الرعاية والرعاية من الرحمة والرحمة من كرم الفطرة وكرم الفطرة من طهارة الرشدة(أي صحة النسب) وطهارة الرشدة من كرم المحتد(أي الأصل )وقال أخر:”ميلك إلى مولدك من كرم محتدك “وقال بعض الفلاسفة:”فطرة الرجل معجون بحب الوطن”ولذا قال أبقراط :يداوي كل عليل بعقاقير أرضه فان الطبيعة تتطلع لهوائها وتنزع إلى غذائها.وقالت الهند:حرمة بلدك عليك كحرمة أبويك لأن غذائك منها وأنت جنين وغذاءهما منه” وقال أخر:من إمارات العاقل بره لإخوانه وحنينه لأوطانه ومداراته لأهل زمانه.وكانت العرب اذا غزت وسافرت حملت معها من تربة بلادها رملا وعفرا(ترابا) تستنشقه عند نزلة أو زكام  أو صداع”(0الحنين إلى الأوطان لأبي عثمان : عمر بن الجاحظ تصحيح الشيخ طاهر الجزائري-رحمه الله –ط السلفية –القاهرة 1351).لذلك كانت السيدة عائشة رضي اله عنها دائماً تقول :”ما رأيت القمر أبهي ولا أجمل مما رأيته في مكة”وذلك كناية علي حبها وعشقها وشدة حنينها للوطن..

 

أخوة الإيمان والإسلام :

وأسس الرسول صلي الله عليه وسلم  الوطن علي  حرية الرأي والعقيدة :ـ أولع خصوم الإسلام في كل عصر بتوجيه هذه تهمة أن الإسلام انتشر بحد السيف ، والإسلام منها براء. فهو لم يكره الناس على الإيمان بالسيف ولم يضعه على رقابهم ليشهدوا بشهادته أويدينوا بعقيدته فهذه التهمة باطلة . فمبدأُ السلام لا يقوم إلاَّ على المساواة في الحقوق ، ولو اختلف الناس في العقيدة ، فالحياةُ الآمنةُ الحُرَّةُ العادلةُ حقُ الإنسانِ ، ولا يَتَحَقَّقُ له العيشُ بأمنٍ وسلامٍ إلاَّ إذا أمن على ما يعتقد بحرية كاملة ، دون إكراه أحدٍ على ما يريد . فكانت كفالة الإسلام لحرية العقيدة لجميع الناس ، أثبت ذلك القرآن الكريم قبل خمسة عشر قرتاً قال الله تعالى ” لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ “(256 /البقرة)   .  

 

في هذه الآية يمنح الله حرية المعتقد دون تدخل أو إلزام أو جبر ، غير أنه سبحانه صرحَ مُحَذِّراً الناسَ مِنْ إختيار عقيدةَ الكفرِ بِهِ سبحانه بقوله تعالى { وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (108  البقرة) . وقال أيضاً سبحانه { وَلَٰكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106/النحل).

هذا حكم الله في الآخرة . وأما في هذه الدنيا ، فكل فرد من ذرية آدم له حق اختيار العقيدة التي يريدها ، وقد سمح الإسلام لجميع الناس بوذيين وغيرهم مهما اختلفت عقائدهم بممارسة طقوسهم التعبدية . ـ ففي عهد عمر بن الخطاب إلى أهل إيلياء (القدس) نص على حُريتهم الدينية، وحرمة معابدهم وشعائرهم: “هذا ما أعطى عبد الله عمر أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم وسائر ملَّتها، لا تُسكن كنائسهم، ولا تُهدم ولا ينتقص منها، ولا من حيزها، ولا من صليبها، ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرهون على دينهم، ولا يُضار أحد منهم. ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود . . ” كما رواه الطبري . ـ واعتبر النبي صلي الله عليه وسلم السلام مع غير المسلم عبادة نتعبد بها لله تعالي ( فروى عنه: “من آذى ذِمِّياً فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خصمته يوم القيامة” .(  الخطيب بإسناد حسن). وعنه أيضًا: “من آذى ذميًا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله” .(  الطبراني في الأوسط بإسناد حسن). و يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: ” من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقًا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس منه، فأنا حجيجه يوم القيامة” .(  أبو داود والبيهقي .). ودماؤهم وأنفسهم معصومة باتفاق المسلمين، وقتلهم حرام بالإجماع ؛ يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم -: “من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا”( البخاري) .

 

وكان عمر رضي الله عنه يسأل الوافدين عليه من الأقاليم عن حال أهل الذمة، خشية أن يكون أحد من المسلمين قد أفضى إليهم بأذى، فيقولون له: ” ما نعلم إلا وفاءً” وعليٌّ بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: “إنما بذلوا الجزية لتكون أموالهم كأموالنا، ودماؤهم كدمائنا” وما روي أن عليًّا أُتي برجل من المسلمين قتل رجلاً من أهل الذمة، فقامت عليه البيِّنة، فأمر بقتله، فجاء أخوه فقال: إني قد عفوت، قال: فلعلهم هددوك وفرقوك، قال: لا، ولكن قتله لا يرد علَيَّ أخي، وعوَّضوا لي ورضيتُ . قال: أنت أعلم؛ من كانت له ذمتنا فدمه كدمنا، وديته كديتنا. (أخرجه الطبراني والبيهقي) . وقد صح عن عمر بن عبد العزيز: أنه كتب إلى بعض أمرائه في مسلم قتل ذميًّا، فأمره أن يدفعه إلى وليه، فإن شاء قتله، وإن شاء عفا عنه . . فدُفِعَ إليه فضرب عنقه . ــ ولقد بلغ سلام الإسلام مع غير المسلمين بأن أمنهم عند العجز والشيخوخة وضمن لهم في ظل دولته، كفالة المعيشة الملائمة لهم ولمن يعولونه، لأنهم رعية للدولة المسلمة وهي مسئولة عن كل رعاياها، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -:”كلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته” . (متفق عليه  ) وهذا ما مضت به سُنَّة الراشدين ومَن بعدهم. ـ فقد رأى عمر بن الخطاب شيخًا يهوديًا يسأل الناس، فسأله عن ذلك، فعرف أن الشيخوخة والحاجة ألجأتاه إلى ذلك، فأخذه وذهب به إلى خازن بيت مال المسلمين، وأمره أن يفرض له ولأمثاله من بيت المال ما يكفيهم ويصلح شأنهم، وقال في ذلك: ما أنصفناه إذ أخذنا منه الجزية شابًا، ثم نخذله عند الهرم! وفي عقد الذمة الذي كتبه خالد بن الوليد لأهل الحيرة بالعراق، وكانوا من النصارى: “وجعلت لهم، أيما شيخ ضعف عن العمل، أو أصابته آفة من الآفات، أو كان غنيًّا فافتقر وصار أهل دينه يتصدقون عليه، طرحت جزيته وعِيل من بيت مال المسلمين هو وعياله” . وكان هذا في عهد أبي بكر الصِّدِّيق، وبحضرة عدد كبير من الصحابة، وقد كتب خالد به إلى الصِّدِّيق ولم ينكر عليه أحد، ومثل هذا يُعَد إجماعًا. والفضل ما شهدت به الأعداء :ــ شهد بذلك رجال الفكر الغربي عن كَسَبٍ..

 

**   صيانة الوطن  من الفتن والقلاقل

فقد أسس الرسول صلي عليه وسلم للوطن بصيانته من الفتن والقلاقل والمظاهرات عملاً بقول المولي عزوجل:“وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ”(الأنفال/25).

كما أمر بالتصدي لها فقال تعالي :” وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ “(الأنفال /39).

كما حذر من كفر هذه النعمة وجحودها والتفريط فيها فقال تعالي :”وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ”(النحل/112).

وورد عن أنس رضي الله عنه “الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.(تخريج السيوطي).

وعن حذيفة قال كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني قال قلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قال نعم قلت وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قال نعم وفيه دخن . قلت وما دخنه ؟ قال قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر . قلت فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال نعم دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها . قلت يا رسول الله صفهم لنا . قال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا . قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم . قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك “(متفق عليه ). وفي رواية لمسلم قال يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس . قال حذيفة قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك ؟ قال تسمع وتطيع الأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع”.(متفق عليه ).

وعن أبي هريرة قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”يخرج في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين يلبسون للناس جلود الضأن من اللين ألسنتهم أحلى من السكر وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله أبي يغترون أم علي يجترؤون ؟ فبي حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدع الحليم فيهم حيران.( رواه الترمذي) .

وذلك لأن الفتن خطرها عظيم وشرها مستطير,فهي تزعزع الأمن وتقوض الاستقرار والذي يسير فيها تؤدي به إلي الهلاك والدمار إلا من عصمه الله عزوجل وتمسك بهدي نبيه صلي الله عليه وسلم  حيث يقول:”إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي قيل أفرأيت إن دخل علي بيتي قال كن كابن آدم”(صحيح الجامع).‌

وعن أهبان بن صيفي قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم:” إنه ستكون فرقة واختلاف فإذا كان كذلك فاكسر سيفك واتخذ سيفا من خشب واقعد في بيتك حتى تأتيك يد خاطئة أو منية قاضية “(أحمد والترمذي وصححه الألباني).. ‌

وأكثر من الدعاء وسأل الله النجاة والسلامة فكان رسول الله صلي الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الفتنة  دائماَ ” اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والجبن والبخل والهرم وأعوذ بك من عذاب القبر وأعوذ بك من عذاب النار وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات .”(أحمد وصححه الألباني).

وعمل علي إخماد نار الفتنة والبعد عن كل ما يشعلها سواء بالقول أو الفعل ..وسارع بالتوبة إلي الله وتلاوة كتابه ففيه الهدي والأمن والأمان قال تعالي:” فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى”(طه/123).

وعن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إنها ستكون فتن ” قال : فما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : ” كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه جبارا قصمه الله ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ولا تلتبس به الألسن ولا تنقضي عجائبه ولا تشبع منه العلماء من قال به صدق ومن عمل به أجر ومن حكم به عدل ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم”.(الترمذي).

وكما شدد الإسلام علي تجنب الفتنة لأن خطرها شديد علي استقرار الأمن في البلاد وكفي أن قال المولي عز وجل فيها “وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ”(البقرة/191).  وقال تعالي:”وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ”(البقرة/217).

وحتي لا تكن فتنة تجر خلفها دمار وفساد حذر الرسول صلي الله عليه وسلم من دواعيها ومقدماتها فروي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم :”إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض . ‌”(الترمذي وابن ماجة والحاكم).

لذلك طلب المولي من نبيه صلي الله عليه وسلم أن يقبضه إليه غير مفتون أو لوث نفسه بفتنة:ففي الحديث الصحيح :أتاني الليلة ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة فقال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى قلت لا فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي فعلمت ما في السموات وما في الأرض فقال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى قلت نعم في الكفارات والدرجات والكفارات المكث في المساجد بعد الصلوات والمشي على الأقدام إلى الجماعات وإسباغ الوضوء في المكاره قال صدقت يا محمد ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه وقال يا محمد إذا صليت فقل اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر لي وترحمني وتتوب علي وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون والدرجات إفشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام”(رواه الترمذي وصححه الألباني).وفي رواية أخري:”وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضني إليك غير مفتون “(أحمد وصححه الألباني).

 

 بناء الأوطان علي العدل والحق :

 

   وقد أسس الرسول صلي الله عليه وسلم لبناء الوطن علي العدل والحق  لأن الظلم هو أساس كل بلية فما من مجتمع يقوم علي الظلم والقهر إلا قوض الظلم أمنه واستقراره وكان سبباَ في التعجيل بهلاكه قال تعالي :”وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا “.(الكهف/59).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ” الفتاوى ” فيرسالة في الحسبة ” ما نصه :
فَإِنَّ النَّاسَ لَمْ يَتَنَازَعُوا فِي أَنَّ عَاقِبَةَ الظُّلْمِ وَخِيمَةٌ وَعَاقِبَةُ الْعَدْلِ كَرِيمَةٌ وَلِهَذَا يُرْوَى :” اللَّهُ يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الْعَادِلَةَ وَإِنْ كَانَتْ كَافِرَةً وَلَا يَنْصُرُ الدَّوْلَةَ الظَّالِمَةَ وَإِنْ كَانَتْ مُؤْمِنَةً ” .

  وقد حذرا لمولي عز وجل الظلمة وأنذرهم بأنه سبحانه وتعالي لا يغفل عنهم وسوف يعاقبهم عاجلاَ أم أجلاَ فقال تعالي :”وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ “.(إبراهيم/42).   

  عن أبي بردة عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” إن الله يملي للظالم فإذا أخذه لم يفلته ثم قرأ وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة“.(صححه الألباني).

   ومن منطلق التنديد بالظلم بين الله عزوجل أنه حرم الظلم علي نفسه وجعله بين الناس محرماَ:”قال الله تعالى :”يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرما بينكم فلا تظالموا“.(مسلم).

  وعن أبي ذر عن النبي صلي الله عليه وسلم قال:”اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم وحملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم .(أحمد و غيره). ‌  

  كما حذر من دعوة المظلوم فهي مستجابة علي الفور ولو كان المظلوم كافراَ فعن أنس رضي الله عنه عن رسول الله صلي الله عليه وسلم :”إياكم ودعوة المظلوم وإن كانت من كافر فإنه ليس لها حجاب دون الله عز وجل .”(حسن  ). ‌  

 

 

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراَ       فالظلم ترجع عقباه إلي الندم

تنام عيناك والمظلوم منتبه       يدعو عليك وعين الله لم تنم .

 

الثانية:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي المبعوث رحمة للعالمين ..وبعد:

فقد بني الرسول الدولة الإسلامية علي الحب والإخاء والمساواة فأول بيان أعلنها لتأسيس الوطن قوله :” ” يا أيها الناس ! أفشوا السلام و أطعموا الطعام و صلوا الأرحام و صلوا بالليل و الناس نيام تدخلوا الجنة بسلام ” (الترمذي وغيره).

فالإسلام سلام للبشرية :ـ من منطلق مبدأ السلام الذي يحتوي على أمن الناس وسعادتهم ، فإنه عمم أمره بين الإنسانية قاطبة لينشروه  و الخطاب للناس كافة ، ثم فضَّلَ من سبق غيره في إقامة السلام ، وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ الَّذِي بَدَأَهُمْ بِالسَّلامِ “(أبو داود) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال ، يلتقيان : فيعرض هذا ويعرض هذا ، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام “(البخاري ).

ودعي إلي الأمن والأمان حتي يشعر الفرد بكرامته فقال صلي الله عليه وسلم :” من أصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ” . لذلك وقف بحزم تجاه هؤلاء الذين يروعون الآمنين ويخربون في الأرض”إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ  لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ  (المائدة/33).وقال صلي الله عليه وسلم :”من روع مؤمنا لم يؤمن الله روعته يوم القيامة ومن سعى بمؤمن أقامه الله مقام ذل وخزي يوم القيامة .”(السيوطي صححه الألباني).

وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”من سود مع قوم فهو منهم ومن روع مسلما برضاء سلطان جيء به معه يوم القيامة”

وعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وسلم فنام رجل منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:” لا يحل لمسلم أن يروع مسلما (   أبو داود).

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :  من أشار على أخيه بحديدة لعنته الملائكة”(الترمذي : حسن صحيح غريب).

بناء الأوطان بعيداً عن التعصب والعصبية “

 وقد راعي الرسول صلي الله عليه نزعة العرب في الجاهلية وتعصبهم وعصبيتهم لأتفه الأسباب ..  فأراد أن يحمي الوطن بسياج من الحب والوئام  بعيداً عن  التعصب للجماعة أو الطائفة ، فلا يقبل من الدين والعلم والرأي إلا ما جاء عن طريقهم ، ولا يصدر إلا عن رأيهم ، ومثل هذا التعصب: “من التفرق الذي ذمه الله تعالى ورسوله ”  وهو من فعل أهل الجاهلية .

والتعصب من أعظم الأمور شرًا وفسادًا ، فهو يجر على الأمة المصائب والويلات ، لأنه يمنع من سماع الحق فضلًا عن قبوله ، ويحمل على الانقياد للأهواء ، والمتابعة على غير حجة أو برهان ، قال الشوكاني رحمه الله: ” واعلم أنه كما يتسبب عن التعصب محق بركة العلم ، وذهاب رونقه ، وزوال ما يترتب عليه من الثواب ، كذلك يترتب عليه من الفتن المفضية إلى سفك الدماء ، وهتك الحرم ، وتمزيق الأعراض ، واستحلال ما هو في عصمة الشرع ما لا يخفى على عاقل ، ولا يخلو عصر من العصور ، ولا قطر من الأقطار من وقوع ذلك . . وهذا يعرفه كل من له خبرة بأحوال الناس ” . (أدب الطلب ومنتهى الأرب ، ص92  ).

ومما اتفقت عليه الأمة أن كل فرد من الناس – فردًا أو جماعة – يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأما غيره فتعرض أقوالهم على الكتاب والسنة فما وافقهما قبل وما خالفهما رد على قائله .

فالواجب غرس في النفوس تعظيم الحق – والذي منبعه نصوص الكتاب والسنة – والصدور عنه ، والرد إليه عند الاختلاف والتنازع ، كما قال الله تعالى:” فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا “. ( النساء ، الآية: 59) وأن تربى الأمة على ذلك ، وتنشأ الأجيال عليه ، حتى تكون في منأى من مزالق التعصب المذموم الموجب للضلال والتفرق .

وجاء في صحيح البخاري “أن رجلين من المهاجرين والأنصار تشاجرا فَقَالَ الأنصاري ُّيَا لَلأَنْصَارِ. وَقَالَ الْمُهَاجِرِى ُّيَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَسَمِعَ ذَاكَ رَسُولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَابَالُ دَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ  قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَعَ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ.  فَقَالَ دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ.

وقال : “يا أيها الناس ألا ‏إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي، ولا ‏لعجمي على عربي، ولا لأحمر على أسود، ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلّغت؟ قالوا: بلّغ رسول الله ‏‏صلى الله عليه وسلم”.

وقال رسول الله عليه السلام: “يا معشر قريش إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظّمها بالآباء. الناس من آدم وآدم من تراب”.

أخوة الإيمان والإسلام  :ولو أننا تحدثنا في سياق بناء الأوطان وكيف أسس الرسول صلي الله عليه وسلم لبناء الوطن والمحافظة عليه ما كفانا وقت ..

نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة .

 

اظهر المزيد

admin

مجلس إدارة الجريدة الدكتور أحمد رمضان الشيخ محمد القطاوي رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) تليفون (phone) : 01008222553  فيس بوك (Facebook): https://www.facebook.com/Dr.Ahmed.Ramadn تويتر (Twitter): https://twitter.com/DRAhmad_Ramadan الأستاذ محمد القطاوي: المدير العام ومسئول الدعم الفني بالجريدة. الحاصل علي دورات كثيرة في الدعم الفني والهندسي للمواقع وإنشاء المواقع وحاصل علي الليسانس من جامعة الأزهر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »